تحت ظلال الكراهية.. السويد في قبضة اليمين المتطرف

أ. بسام يوسف

في 11 أيلول/ سبتمبر 2022، توجّه السويديون إلى صناديق الاقتراع، لاختيار من سيقود السويد في السنوات الأربع القادمة، وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات في الحياة السياسية السويدية عادية، فإنها حملت خصوصية شديدة هذه الدورة، إذ جاءت في

ظلّ ظروف بالغة التعقيد، محليًا ودوليًا، والأهمّ أنها جاءت مع ازدياد المدّ اليميني الشعبوي في السويد، الذي يُهدد بإجراء تحوّل كبير في الهوية التي صاغها هذا البلد طوال قرن من الزمن.

أظهرت النتائج النهائية للانتخابات فوزَ اليمين السويدي، وعلى الرغم من أنه لا يزال من الصعوبة التكهّن بتداعيات هذا الفوز، فإن النتائج بالتأكيد ستُشكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ السويد، قد تُفضي به إلى صيغة جديدة مختلفة عن الصيغة التي عاش عليها السويديون فترة طويلة، والتي عرف العالَم السويد على أساسها.

(نحن الاشتراكيون الديمقراطيون مستعدّون للتعاون مع أي حزب…. مع المحافظين إن رغبوا، لكن مع حزب “سفاريا ديمقراطنا” لن نتعامل، إنه حزب متطرف لا يمكن العمل معه، وعلى أحزاب اليمين الثلاثة “المحافظين” و”المسيحيين الديمقراطيين” و”الليبراليين” أن يتحملوا مسؤوليتهم في وقف خطاب الكراهية الذي سوف ينتشر بسبب تعاونهم مع “سفاريا ديمقراطنا”، غدًا سأقدم استقالتي من منصب رئيس الوزراء، وستنتقل المسؤولية الإجرائية إلى رئيس البرلمان).. هكذا أعلنت رئيسة وزراء السويد ماجدالينا أندرشون خسارة اليسار السويدي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مع أن حزبها لا يزال أقوى الأحزاب، ويحتل المركز الأول في عدد مقاعده داخل البرلمان.

نظرة عامة على الأحزاب السياسية في السويد:

هناك عشرات الأحزاب السياسية في السويد: أحزاب صغيرة، وأخرى محلية تنشط في منطقة جغرافية محددة، وهناك بقايا لأحزاب كانت فاعلةً يومًا ما ثم تراجعت، لكن ما يحضر الآن، من كل هذه الأحزاب في المشهد السياسي الراهن، هو تلك الأحزاب التي تستطيع الوصول إلى البرلمان، ولكي يصل أي حزب إلى البرلمان يجب أن يتجاوز عتبة 4 % من أصوات الناخبين السويديين.

عدد مقاعد البرلمان السويدي أو ما يسمّى في السويد “الريكسداغ” (بالسويدية Sveriges riksdag) يبلغ 349 مقعدًا، وتحدد عدد الأصوات التي ينالها كل حزب عددَ المقاعد التي سيشغلها في البرلمان. ويُكلّف الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بتشكيل الحكومة، ولكي تتم الموافقة على الحكومة، يجب أن تحظى بموافقة 175 نائبًا على الأقل، وحين لا يتمكن الحزب الأكبر من تشكيل الحكومة، يتم تكليف الحزب الذي يليه.

وبحسب النتائج النهائية للانتخابات التي جرت أخيرًا (في 11 أيلول/ سبتمبر 2022)، هناك ثمانية أحزاب، سيكون لها ممثلون في البرلمان السويدي، وهي الأحزاب التالية:

1-الديمقراطيون الاجتماعيون: (S)

2-الديمقراطيون السويديون: (SD)

3-المعتدلون: (M)

4-اليسار: (V)

5-الوسط: (C)

6-الديمقراطيون المسيحيون: (KD)

7- البيئة: (MP)

8-الليبراليون: (L).

تتوزع هذه الأحزاب الثمانية في كتلتين رئيسيتين: الأولى كتلة اليسار، وتضمّ: حزب الديمقراطيون الاجتماعيون، وحزب اليسار، وحزب الوسط، وحزب البيئة؛ والثانية كتلة اليمين، وتضمّ: حزب الديمقراطيون السويديون، وحزب المعتدلون، والليبراليون، والديمقراطيون المسيحيون.

يوضح المخطط المرفق(1)  عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها كلّ حزب، والنسبة المئوية للأصوات التي صوتت له، كما يوضح التطورات التي طرأت على كل حزب، مقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة 2018. وبقراءة سريعة لهذه النتائج، يمكننا أن نلحظ ما يلي:

  • ليس هناك تبدلات كبيرة في نتائج كلتا الكتلتين (اليمين واليسار)، فما خسره حزب اليسار في هذه الانتخابات (خمسة مقاعد)، وما خسره حزب الوسط (سبعة مقاعد)، أي إن الخسارة 12 مقعدًا، ذهب منها ثمانية مقاعد للديمقراطي الاجتماعي، ومقعدان لحزب البيئة، وبالتالي فالمحصلة النهائية في كتلة اليسار هي خسارة مقعدين فقط.
  • بالمقابل، ما ربحه الحزب اليميني المتطرف SD، والبالغ 11 مقعدًا، كان بمعظمه من أحزاب اليمين الأخرى، التي خسرت تسعة مقاعد، وبالتالي فإن ما ربحته كتلة اليمين هو مقعدان فقط، باختصار: إن الانزياحات التي تمت في الانتخابات الأخيرة تركّزت في الانتقال داخل الكتلة ذاتها.
  • المؤشر الأهم في هذه الانتخابات هو النموّ الكبير لكتلة ناخبي الحزب اليميني المتطرف، الأمر الذي يشكل مكمن الخطورة في هذه الانتخابات، وهنا لا بدّ من إلقاء الضوء على هذا الحزب، ومحاولة تفسير صعوده المتواصل ودلالات هذا الصعود.

 تأسس حزب “ديمقراطيو السويد” عام 1988، على يد مجموعات تؤمن بتفوّق العنصر الأبيض، وهو حزب قومي متطرف من حركة النازيين الجدد، حمل منذ تأسيسه راية مناهضة الهجرة، وأسس خطابه السياسي على تعزيز العصبية القومية، ووضعها في مواجهة المهاجرين أو اللاجئين، وها هو يتحول اليوم، على يد رئيسه الحالي جيمي أكيسون، إلى جزء أساسي في المشهد السياسي السويدي.

طوال ما يزيد على عشرين عامًا، لم يتمكن هذا الحزب من الحصول على النسبة التي تخوّله الدخول إلى البرلمان (4% من أصوات الناخبين)، لكنه استطاع دخول البرلمان بنسبة 5.7 % في عام 2010، وفي انتخابات 2014 حصل على 12.9%، وزادت نسبة التمثيل إلى 17.5 في المئة في عام 2018، وفي الانتخابات الأخيرة، استطاع الحصول على 20.7%، ليصبح الحزب الثاني في السويد، بعد الديمقراطي الاجتماعي 30.5%.

وعلى الرغم من أن هناك نقاطًا كثيرة يطرحها هذا الحزب في خطابه الشعبوي اليميني، فإن جوهر هذا الخطاب يتركز أساسًا في ملفّ الهجرة، إذ إنه يرى أن المهاجرين غير الشرعيين، والمهاجرين الاقتصاديين، وطالبي اللجوء، قد أضروا كثيرًا بالسويد، وأنهم مسؤولون عن انتقالها من وضع جيد إلى وضع سيئ، وأنهم تسببوا في كثير من المشاكل المجتمعية التي تهدد المجتمع السويدي، وتحتاج إلى معالجة جذرية، ومن أجل ذلك وضع خطة للمعالجة، تمحورت حول منع جميع اللاجئين من البلدان «غير القريبة» من الوصول إلى السويد، والبدء بتشديد القوانين المتعلقة بالهجرة، حتى الوصول إلى أدنى مستوى ممكن لها، وهي الحصة المقرّة وفقًا لقوانين الاتحاد الأوروبي، ليس هذا فحسب، بل يجب البدء -وفق خطته- بعكس جهة التدفق، بحيث تصبح أعداد المغادرين من السويد أكثر من القادمين، ومن أجل ذلك سيعمل الحزب على تبني البرلمان السويدي لحزمة من القوانين تجيز إعادة المهاجر، أو اللاجئ، بغض النظر عن قانونية وصيغة وجوده داخل السويد.

استفاد حزب “ديمقراطيو السويد” كثيرًا من الانعكاسات التي سببتها موجة اللجوء الكبرى في عام 2015، والتي شكل السوريون النسبة العظمى فيها، إذ بدأ يركز جلّ خطابه السياسي على التباينات الثقافية بين الوافدين الجدد والمجتمع السويدي، وجعل من هذه التباينات الموضوعية ركيزةَ حملتِه التي وجهها للمجتمع السويدي، مستندًا في البروباغندا الخاصة به على تصرّفات المهاجرين، وساعده في ذلك الإسلامويون المتطرفون الذين فتحوا معارك مع القانون السويدي، ومع ثقافة المجتمع السويدي، سواء في قصة خطف المؤسسة الاجتماعية السويدية للأطفال المسلمين، أو في اختلاق قصص التربية الجنسية والاختلاط بين الجنسين في المدارس السويدية، وصولًا إلى الهيجان الجماعي العنفي الذي يعقب حوادث حرق نسخ من القرآن الكريم، التي يقوم بها بين الحين والآخر اليميني العنصري الدنماركي راسموس بالودان(2).

ما المخاطر التي قد تواجه المجتمع السويدي، بسبب سياسة اليمين العنصري وخطابه المتطرف، بعد أن تحول إلى لاعب أساسي في السياسة الداخلية السويدية؟

  1. يُشكّل السويديون من أصول مهاجرة ما يزيد على 16% من عدد سكان السويد، وقد أصبحوا جزءًا فاعلًا ومؤثرًا في الحياة السويدية، وإن تنامي نزعة التمييز بينهم وبين السويديين سيفخخ المجتمع السويدي بنزعات التطرف.
  2. قد تعزز سياسة اليمين ظاهرة نشوء مناطق سكنية (كانتونات)، تضم سكانًا يتبعون تصنيفا خاصًا فقط، الأمر الذي قد يتسبب في تفكك النسيج الاجتماعي السويدي.
  3. قد يؤدّي التطرف اليميني العنصري، لدى فئات من المجتمع السويدي، إلى تنامي تطرف مضاد في البيئات المهاجرة.
  4. تنامي الكراهية والتمييز سيُضعف كثيرًا من فعالية برامج الإدماج، ومن قوة الأصوات المنادية بضرورة دمج المهاجرين داخل المجتمع السويدي من الطرفين.
  5. سيكون فوز اليمين المتطرف السويدي عاملًا مساعدًا في تعزيز حضور اليمين المتطرف في بلدان أوروبية أخرى.
  6. الأخطر من كل ما تقدم هو الاستقطاب العالي للتطرف داخل فئة الشباب، الأمر الذي قد يؤسس لمستقبل أشد تطرفًا وعنفًا.

تشبه قصة صعود الحزب العنصري اليميني في السويد، إلى حد كبير، الرواية التي كتبها الأديب الكولومبي المشهور غابرييل غارسيا ماركيز: “قصة موت معلن”، إذ لم يكن أحدٌ يظن أنه سيفعلها، ومعظم الأحزاب السويدية كانت تصرّح بأنها لا تقبل العمل مع هذا الحزب، وعلى الرغم من كل هذا التجاهل، فقد تمكن هذا الحزب من أن يتحول إلى لاعب أساسي في الحياة السويدية، باختصار: “لقد فعلها”، وها هو يضع السويد أمام مفترق بالغ الخطورة.

خطورة السنوات الأربع القادمة تكمن في طريقة تعاطي المجتمع السويدي وأحزابه ومثقفيه ومفكريه، مع هذا الحزب، ومع خطاب الكراهية الذي ينتهجه، وفي سياسة التعامي عنه وتجاهله، بحجة أنه سيتراجع حكمًا، بسبب تفارقه مع ثقافة المجتمع السويدي، فهذه السياسة تسببت في صعوده، وهي تُهدد بتحوّل عميق داخل المجتمع، ظهرت ملامحه الواضحة في الانتخابات الأخيرة.

وعلى الرغم من نتائج الانتخابات الأخيرة، ومن كل الضجيج الإعلامي حول فوز تحالف اليمين السويدي، ومن الصدمة التي سببها الصعود السريع لليمين العنصري، فإن هذا الفوز لا يزال هشًّا، وربما يمكن تحويله إلى بداية النهاية، لهذه الدراما البائسة، إذا تم التعامل بمسؤولية ووعي مع حقائق المرحلة السابقة.

كيف تبدو اللوحة السياسية اليوم في السويد، بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية السويدية، وما هي احتمالاتها:

  • على الرغم من فوز اليمين بـ 176 مقعدًا، من أصل 349 تشكل مجموع مقاعد البرلمان السويدي؛ فإن هذا اليمين سيظل عاجزًا عن الذهاب إلى ما يريد، ولا تزال كتلة اليسار التي تضم 173 مقعدًا قادرةً على فرض شروطها بقوة، الأمر الذي سيقود إلى احتمالات عديدة، لكنها ستقود بمجملها إلى مفاوضات شائكة وطويلة، ويتفق أغلب المحللين السياسيين على أنها ستُفضي إلى تشكيل حكومة أقلية ضعيفة، غير قادرة على العمل.
  • يمكن لكتلة اليسار أن تمنع أي شخص لا تراه مناسبًا من تشكيل الحكومة، إذ يكفي معارضة 145 نائبًا، لمنع تكليفه بتشكيل الحكومة، وهذا متاح بسهولة لكتلة اليسار، ولذلك فإن زعيم الحزب اليميني العنصري “SD”، لن يكون له أي حظ بتشكيل حكومة، مع أنه حازَ أكبر عدد للمقاعد في كتلة اليمين.
  • هناك “فيتو” على التحالف مع الكتلتين الأكبر في البرلمان، من هذا الطرف أو ذاك، فالمحافظون (68 مقعدًا) وديمقراطيو السويد (73 مقعدًا)، يضعون فيتو على التحالف مع الديمقراطي الاجتماعي (108 مقاعد)، وكذلك كتلة اليسار (173 مقعدًا)، تضع فيتو على التحالف مع SD، الأمر الذي يقلل كثيرًا من احتمالات نشوء تحالف قوي.
  • يمكن لحزب ليبرالنا (L) (16 مقعدًا)، أن يلعب دورًا مهمًا في نشوء تحالف قد يغير من المعادلة.
  • على الرغم من أن زعيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي ماجدالينا أندرشون فتحت الباب في مؤتمرها الصحفي الذي أعقب استقالتها، أمام كل أحزاب اليمين للتحالف ما عدا (SD)، فإن المحاولات الأولى من تشكيل الحكومة لن تكون بهذا الوارد أبدًا، لكن التعثر المتتالي لتشكيل الحكومة قد يُغيّر من الخطوط الحمر التي وضعتها الأحزاب لتحالفاتها، أو قد يقود إلى انتخابات جديدة، إذا تعثر إنجاز تحالف قادر على تمرير تشكيلة الحكومة.
  • ستخوض معظم الأحزاب حوارات ومفاوضات في المرحلة القادمة، لتحديد صيغ تحالفاتها القادمة، أو قراراتها بالمشاركة في الحكومة، أو الانتقال إلى المعارضة، وفي هذه الحوارات، سيتم التركيز على تقديم تنازلات من هذا الحزب أو ذاك في القضايا الخلافية الأساسية، بين كتلتي اليمين واليسار، ويمكن تلخيص تلك القضايا بالمحاور التالية:
  • اللجوء والهجرة.
  • الضرائب.
  • الجريمة وصلاحيات البوليس.
  • المساعدات الاجتماعية.
  • مصادر الطاقة (العودة للطاقة النووية).

في قراءة سريعة لسياسة الأحزاب ومواقفها المعلنة، سواء خلال الحملات الإعلانية التي رافقت الانتخابات، أو قبلها، نجد أن المحور الأكثر عرضة للتفاوض ولتقديم التنازلات فيه هو محور اللجوء والهجرة، فالحزب الديمقراطي الاجتماعي يريد استعادة ناخبيه السويديين الذين انفضّوا عنه بسبب موقفه المتساهل -برأيهم- من قضية اللجوء والهجرة، خصوصًا بعد أن أكّدت نتائج الانتخابات الأخيرة انخفاض نسبة المؤيدين له ضمن صفوف المهاجرين أو اللاجئين، والصادم فعلًا أن يحصل الحزب اليميني العنصري المناهض للمهاجرين على النسبة الأعلى من الأصوات في مقاطعة “سكونه”، التي تتركز فيها النسبة الأعلى من المهاجرين.

لذلك، قد يكون من المؤكّد أن تتجه السويد يمينًا، في قضية المهاجرين، وأن تلحق بشقيقاتها في الشمال الأوروبي، حول التشدد في شروط الإقامة واللجوء ومنح الجنسية وغير ذلك، لكن ليس إلى الحد الذي يطالب به اليمين العنصري. والأحزاب التي ترفض هذا التوجه، وتصرّ على الإبقاء على السياسة السابقة، هي أحزاب ذات كتل برلمانية صغيرة (البيئة واليسار) (41 مقعدًا).

ولا بد هنا من طرح سؤال حول النتائج التي قد تترتب على اللاجئين السوريين بعد فوز اليمين، خصوصًا بعد أن أصبحت الجالية السورية هي الجالية الأكبر في السويد، وباتت تشكل 1.7% من عدد سكان السويد، ويقدر عدد أفرادها بما يزيد على 190 ألف شخص، لهذا ستكون الجالية الأكثر عرضة لتلقي نتائج هذا الفوز، كونها لا تزال جديدة قياسًا بالجاليات الأخرى.

من الناحية القانونية، يمكن تقسيم السوريين إلى ثلاث مجموعات:

الأولى: الحاصلون على الجنسية، وهي المجموعة الأكبر بين السوريين، إذ تشير أرقام دائرة الهجرة السويدية إلى حصول نحو 90 ألف لاجئ سوري على الجنسية، ويمكن القول إن هذه المجموعة هي الأقل تضررًا من فوز اليمين، فالقانون السويدي يمنع سحب الجنسية إلا في حالات خاصّة جدًّا، وتبقى قضايا العمل ولمّ الشمل هي ما يقلق هذه المجموعة، إذ قد يكون هناك تشديد في شروط لمّ الشمل، وهو احتمال بات بحكم المؤكد اليوم، وإن فوز اليمين سيزيد من التعامل العنصري مع اللاجئين، وقد يضيق من حظوظهم في الحصول على فرص العمل.

الثانية: حملة الإقامات الدائمة، تتخوف هذه المجموعة من تعقّد شروط الحصول على الجنسية، فشرطا امتلاك المستوى الأول من اللغة، ووجود عقد العمل، سيتم إقرارهما والعمل بهما في عام 2023، أو 2024 على أبعد تقدير، كما صرّحت كتلة اليمين، ولذلك ستقلّ فرص الحصول على الجنسية، ويزداد التخوف أكثر من أن تُسنّ قوانين تسمح بتحويل الإقامات الدائمة إلى مؤقتة، الأمر الذي يفتح الباب أمام إمكانية الترحيل مستقبلًا.

الثالثة: حملة الإقامة المؤقتة، وهي المجموعة الأكثر تخوفًا من فوز اليمين، وبغض النظر عن أنواعها (حماية، لجوء إنساني..) فإن الشروط التي يقترحها اليمين ستقلل كثيرًا من إمكانية تحوّلها إلى إقامة دائمة، أو إلى جنسية، ولذلك فإن هاجس الترحيل سيظل كابوسًا في حياة حملة هذه الإقامة.

لكن هل يستطيع اللاجئون عمومًا، ومنهم السوريون، فعل أي شيء لمواجهة احتمالات تزايد العنصرية، واحتمالات الترحيل؟

بالتأكيد، كان باستطاعة أصوات اللاجئين أن تغيّر نتائج هذه الانتخابات، لو أنها استُثمرت جيدًا، وهذا ما يجب أن تتنبه إليه كتلة اللاجئين في أي انتخابات قادمة، فقد خسرت الأحزاب المؤيدة لسياسة الهجرة واللجوء الحالية عشرات الآلاف من الأصوات، وأقصد تلك التي صوّتت لحزب “نيانس”(3) الجديد ذي التوجه الإسلامي، والذي لم يتمكن من تجاوز عتبة 4%، فذهبت هذه الأصوات سدًى، بل إنها تسببت في فوز اليمين.

بروفيسور الرياضيات سفانتي لينوسون صرّح لصحيفة (داغينز نيهيتر) بالقول: “لو حصل الاشتراكيون الديمقراطيون على 26500 صوتًا إضافيًا، لحصلت حكومة مجدلينا أندرشون على مقعد برلماني من حزب المحافظين، وآخر من حزب ديمقراطيو السويد SD، مما يعطيها أغلبية في البرلمان”.

حصل حزب (نيانس) على 28 ألفًا و352 صوتًا، ما يعادل 0.4 بالمئة من أصوات الناخبين، وعلى الرغم من أنه من غير المؤكد أن هؤلاء كانوا سيصوّتون لمصلحة الاشتراكيين الديمقراطيين، أو لأحزاب اليسار، فإنهم بالتأكيد أسهموا في إضعاف الأحزاب المساندة لهم، وفي فوز الأحزاب التي لا تساندهم.

تؤكد تجربة حزب (نيانس)، وما نتج عنها من ضياع أصوات اللاجئين، أهميّة انخراطهم في الحياة السياسية السويدية، وحاجتهم إلى فهم آليات صنع القرار في المجتمع الذي يعيشون فيه، إذ لا يزال قسم مهمّ منهم غير مبال بقضية الانتخابات ولا يشارك فيها، وقسم مهمّ ممّن يهتم بالانتخابات ويشارك فيها يذهب إلى خيارات لا تخدم مصالحه. لكن الدور الأهم الذي يمكن للاجئين القيام به إنما يكمن أساسًا في التصدي للمتاجرين بالدين، وتفويت الفرصة على طرفين يستثمران بالعصبية الدينية، لمصالحهما التي لا علاقة لها بالدين: الطرف الأول هو رجال الدين الذين يحاولون شد العصب الديني لزيادة أعداد مؤيديهم، ولتحسين ظروفهم المادية عبر إنشاء جمعيات اتضح أن معظمها كانت وسيلة لجمع المال، أو عبر المتاجرة بأصواتهم، أو عبر زج هؤلاء المؤيدين في معركتهم مع القانون الذي بدأ يضيق الخناق حولهم في السنوات الأخيرة.

أما الطرف الثاني فهو اليمين المتطرف، الذي يحاول أن يزيد من حالة الاستقطاب في المجتمع السويدي، كي يزيد مؤيدي برنامجه العنصري، وذلك باستفزاز عصبية اللاجئين الدينية، ودفعهم إلى ردات فعل غير قانونية تضعهم في مواجهة القانون أولًا، وتزيد مستوى رفض المجتمع السويدي لهم ثانيًا، وهذا ما ظهر واضحًا في أعمال العنف التي أعقبت قيام متطرف بحرق نسخ من القرآن الكريم.

لقد استثمر اليمين السويدي بمهارةٍ حماقةَ المتعصبين دينيًّا في تسويق نفسه، ومن ثمّ في فوزه، ومع الأسف، فإن كل ما يحتاج إليه اليمين في استثماره هذا متاحٌ وبالغ السهولة، إذ يكفي لذلك قيامُ شخص ما بإساءةٍ ما إلى الدين أو إلى أي من رموزه، أو إطلاق إشاعة حول قضية ما، كما حصل في قضية الأطفال، وعلى الرغم من أنه لا علاقة للدين ولا لجنسية الأطفال الأم بسحبهم، فإنّ تصوير الأمر على أنه استهداف للإسلام، ثم دخول تجار الدين من داخل السويد ومن خارجها، سبّب استياءً عامًّا لدي السويديين الذين يعتبرون القانون مرجعيتهم الوحيدة.

باختصار: إن انخراط اللاجئين في المجتمع السويدي وفي الحياة السياسية، واعتبارهم القانونَ مرجعية وحيدة لعلاقتهم بالآخر، هو ما يحرم اليمين العنصري من أهم ورقة بيده، وهو ما يشكل أهم ضمانة لاستقرارهم.

وبخصوص نقاط الخلاف الأخرى بين الأحزاب، فإنه من المرجح أن لا يكون هناك تباين حاد بين الأحزاب في موضوع مكافحة الجريمة، وتمكين رجال الشرطة وتوسيع صلاحياتهم، لكن إلى أي حدٍّ ستصل هذه الصلاحيات؟ وهل ستقبل بعض الأحزاب بالمسّ بحقوق الأفراد وانتهاك خصوصيتهم وحريتهم، وكلّها تشكل ركيزة في الثقافة السويدية؟ أما في قضية المساعدات الاجتماعية السويدية، فإن الفئة الأكثر تضررًا ستكون فئة العاطلين عن العمل، وهي فئة تتركز بشكل أساسي في الأوساط المهاجرة، وهذا له أسبابه الموضوعية، لكن لن يكون هذا المحور عصيًّا على التفاهم، وبالتالي فإن المهاجرين سيدفعون الثمن مرة أخرى.

في احتمالات التحالفات التي قد تفرضها نتائج الانتخابات الأخيرة، تبدو الفرصة المتاحة لحكومة وسط تضمّ كل الأحزاب، ما عدا أقصى اليمين وأقصى اليسار، ممكنةً، لكن هذا يتوقف على مدى استعداد حزب المحافظين والمسيحيين الديمقراطيين على تجاهل الفيتو الذي وضعوه على إمكانية التحالف مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وعلى الرغم من أن كل المؤشرات اليوم تذهب إلى نفي هذا الاحتمال، فإنه قد يصبح في لحظة ما هو الحل الوحيد.

بغض النظر عن كل الاحتمالات التي قد تضطر الأحزاب إليها في السنوات الأربع القادمة، فإن السويد اليوم أمام استحقاق التصدي لثقافة الكراهية والعنصرية التي تنتشر في المجتمع السويدي، ليس من أجل المهاجرين فحسب، بل من أجل حماية روح السويد وهويتها.

المصدر مركز حرمون

Skip to content