الطاغية ومملكة العبيد

( الطاغية ومملكة العبيد )
بقلم الفيلسوف أحمد نسيم برقاوي

نعرّف الطاغية بأنه العبد المطلق للسلطة.وكل طاغية بوصفه عبداً يعلم علم اليقين بأن بقاء عبوديته ،التي هي جوهر بقائه في السلطة ،رهن بتوافر ثلاثة أمور:
أولاً : القوة المادية القمعية بحدودها القصوى
ثانيا : أدوات استخدام القوة وتنفيذ مهامها في درء الخطر المحدق بوجود الدكتاتور العبد ،أدوات تتكون من عبيد خُلص ،لم تتجاوز طبيعتها البيولوجية ،تدين بالولاء المطلق للطاغية ،وتمارس عبوديتها بوهم خادع على أنها ذات حظ من السيادة.
ثالثاً : تعميم العبودية مجتمعياً ،بحيث يخضع الناس ويخنعوا للعبد الطاغية.
وهكذا تتكون مملكة العبودية :عبد طاغية ،أدوات عبيد ،وشعب من العبيد ، فيتغير مفهوم الوطن الوطن من زمان ومكان يمنحنان الشعور بالفرح والحب والكبرياء إلى مكان وزمان يبعثان فيك الخوف وعدم الأمان وكره العالم الذي تعيش فيه.
ينقلك نظام الطاغية و العبودية من زمان تملكه إلى زمان مسروق منك ، أجل سرقوا الزمان واحتلوا المكان واعتدوا على الكبرياء واغتالوا اللغة وأتوا بكل أشكال الوسخ التاريخي القاتل وقضوا على مفهوم الوطن .
لكن الطاغية العبد وعبيده ،يظنون ظناً بأنهم فلحوا في تحويل الناس المحكومين إلى عبيد ،ناسين بأن الناس واعون بعبوديتهم ،وبالتالي شاعرون بحريتهم.
فالشرط الأول لتحول العبيد إلى فاعل تاريخي في مسار وعي الحرية لذاتها بالمعنى الهيجلي للكلمة ، هو وعي العبيد بعبوديتهم ، وهذا شرط ضروري لكفاحهم من أجل حريتهم ،أما العبد الذي لا يعي عبوديته ،فهو والأشياء التي لا عقل لها سيان .إن وعي العبد بعبوديته يعنى بأن الأصل بحياة الكائن هذا الواعي بعبوديته،هو الحرية.وتصبح العبودية هنا سلباً للحرية ،لحرية يعيها العبد .فالعبد ،هنا، حر مسلوب الإرادة .
لكن هيجل لم يتخيل شخصاً فخوراً بعبوديته ، ومدافعاً عنها عبر دفاعه الواعي عن سيده ، فالسعداء بعبوديتهم لسيدهم هم آلة الإجرام الحقيقية التي يمتلكها سيدهم كما قلت ، وكما يبذر المقامر أمواله على طاولة القمار طمعاً بالربح ،يبذر مالك العبيد عبيده في ساحة الحرب طمعاً بالنصر.
يحول الطاغية الوطن ،كل الوطن إلى طاولة قمار ،ويقحم عبيده في عالم القتل و الحرب أمام الثورة الشعبية ،دون أن يكترث بحجم الرأسمال البشري الذي يبذره على طاولة القمار.
وليس هذا فحسب ،فإن مالك العبيد وقد خسر على طاولة القمار جل عبيده ،يحتاج إلى من يمده بترياق البقاء بأي صورة من الصور.
فيستنجد بسيد ليبقيه عبداً ،والسيد هنا هو دولة قوية ذات مصالح لا تتحقق إلى عبر عبدٍ لها .أو دولة عبودية تمده بعبيد ليلعب بها على طاولة القمار.
تأمل النصر الذي حققته العبودية :إذا كان النصر هزيمة شعب بفضل قوة عالمية عسكرية همجية ،ودولة دينية يحكمها ولي فقيه متخلف ، وميليشيات طائفية تمثل بقايا الوسخ التاريخي ،وفقدان شمال البلاد بمساحة 20 ألف كم2 ،وفقدان السيادة على الحدود ، وتحكم غرباء في سياسة البلاد الخارجية و الداخلية ،ومقتل مليون سوري ،وتهجير عشرة ملايين ،وتدمير البنى التحتية ،و البحث عن ممولين لإعمار ما دمرته الطائرات التي انهالت قذائفها على البلاد و العباد ،أعمار يحتاج إلى 900مليار دولاراً ،واتساع حال الفقر بين السكان ،وفقدانهم شروط الحياة من ماء وكهرباء وغاز ،إذا كان هذا هو النصر الذي يُفتخر به ،فهذا أغرب نصر في تاريخ البشرية ،أو قل هكذا تنتصر سلطة همجية على شعب حكمته بالقوة و تريد أن تستمر في حكمه بالقوة .ألا بئس سلطة تفتخر بالخراب و الدمار و القتل و فقدان الكرامة ،وترى في كل هذا نصراً .
الطاغية المنتصر يمنحه النصر جثة وليس وطنا، ،وخراباً ودماراً و فقراً ومجرمي حرب،وأغنياء حرب ،ومستعمراً ومن نوع جديد ،جاء إليه بدعوة منه ،الطاغية يقدم الوطن للمستعمر على طبق من ذهب.
ولأن المستعمر الجديد جاء بفضل الطاغية ،ودفاعاً عن وجود الطاغية الذي منحه البلد ،فلك أيها القارئ العزيز أن تتخيل طبيعة هذا المستعمر وسلوكه .
وهذا نحصل على طاغية عبد متخلف تاريخياً ،ومستعمر متأخر حضارياً ،وهزيمة منكرة للعقل.فتكتمل دائرة الدمار الكلي.
وحين يطرح الشعب ،عبر نخبه العقلية السؤال :كيف يمكن تجاوز هذا الدمار ،والتحرر من العبودية ،فإن الجواب ،بوصفه تأملاً ونظراً وممارسة ،لن يكون إلا جواباً تاريخياً.جواباً لا يستعجل الزمان ،ويوفر الشرط الإرادي للممكن الذي اكتشفه الجواب التاريخي.

Skip to content